هي الشخصية الملتزمة بموقف الاعتدال شعوريا ونفسيا وفكريا وسلوكيا بعيدا عن الغلو في أي من الطرفين،فصاحبها سعيد في حياته من غير شك لأنه منسجم مع سنة التوازن التي تحكم الكون((والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان))
الشخصية المتوازنة أبعد من غيرها عن الاستغراق في المشاكل المستعصية لأن صاحبها لا يفقد أعصابه عند الخطوب ولا تهيج عواطفه هيجانا طاغيا يذهب بالبصيرة وإنما يحسن معالجة المشكلات ويتجمل بالصبر الإيجابي فيتحمل الآلام ويعمل على تجاوز المحن بعقلانية وروية وأدب مع الخلق والخالق،إنه يقدر الأمور حق قدرها فلا يهول ولا يهون ولا ينسج مع نفسه فنفسه مطمئنة لا تعصف بهدوئها الانتقادات والعداوات لأنها تردها إلى سوء الفهم أو الحسد أو حظوظ النفس فلا تعيرها من الاهتمام أكثر مما تستحق فتحافظ بذلك على توازنها ولا تقع ضحية لردود الأفعال المتشنجة التي تزيد الخلافات حدة بدل حلها،بل وأكثر من ذلك فإنها تستفيد من النقد فلعله يبصرها بعيوب غفلت عنها،أما العداوات فتتيح لها التمرس على التعامل مع الأمزجة المتخلفة والصبر على المخالفة((وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون)).
ومثل أن صاحب النفس المتوازنة مطمئن داخليا فهو يبني علاقاته الاجتماعية على الألفة والتوافق داخل الأسرة وفي مكان العمل وعلى صعيد النشاط التجاري والسياسي والدعوي فلا يسرف في الحب أو البغض ولا يؤسس أحكامه على سوء الظن ولا هو بالمغفل،يغضب إذا استغضب فلا يجاوز حدود الشرع والأدب،ويسترضى فيرضى ويحتسب أمره عند الله،هو دائم البشر باسم الثغر يألف ويؤلف،عملته الكلام الطيب وعمدته حب الخير للناس...وهل هذه سوى ملامح شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب أعظم شخصية متوازنة؟
وهناك مفسدات للشخصية المتوازنة لعل أخطرها الحساسية المفرطة hypersensibilité وهو حالة من يفكر في نفسه فقط فلا يقبل كلمة فيها أدنى مخالفة أو تجريح لأنها تجعله يغلي داخليا ويضطرب ويثور ولو كان يخفي ذلك بغطاء ظاهري من الرزانة،فقد يكون لطيفا في تعامله مع الناس لكنه مجرد الأدب السطحي الذي سرعان ما ينهار بناؤه أثناء النقاش أو المعاملات المختلفة،وهذه الحساسية المفرطة تؤدي حتما إلى العزلة أو الصدام وهذا عين الخروج عن التوازن.
إن توازن الشخصية قوة أدبية وثقة بالنفس على التعاطي السليم الواعي نع الأحداث والوقائع الأشخاص،وهو وإن كان للفطرة فيه نصيب إلا أنه يمكن اكتسابه وبناؤه وتجويد أدائه.